هذا الفيلم يشبه إلي حد كبير منزل البطل، بيت أنيق، مرتب، به زوج وزوجة، تبدو الحياة فيه هادئة، ويبدو أنهم ينعمون بالراحة والسكينة،كلوحة زاهية الالوان، حسنة المنظر، ولكن الحقيقة إنها معلقة على جدار مهترئ وفي هذا البيت يلاحقنا خيال الخال فانيا بشكل او بأخر، كما كان يلاحق بطل الفيلم في حياة زوجته، وبعد مماتها، وعند انتقاله لماذا فانيا؟ وما الذي يجعل هذا النص السينمائي مميز إلي هذه الدرجة؟ ما الصراع الذي يواجه البطل على وجه التحديد؟ كل هذه الاسئلة، جعلت من تجربة المشاهدة وإعادتها في يوم واحد من افضل واصعب التجارب التي مررت بها مؤخراً تدور احداث الفيلم حول ممثل مسرحي في العقد الخامس من العمر، متزوج من كاتبة، ينتقل بعد وفاتها بسبب نزيف دماغي الي مدينة هيروشيما لإخراج مسرحية الخال فانيا لتشيخوف، وهناك تقوم الشركة المشرفة على الانتاج بتعيين إحدى السائقات لخدمة توصيله هذا الملخص ما هو الا قشرة الجليد الرقيقة التي تكسو فوهة البركان لإن الصراع الذي يواجهه البطل من اصعب الانواع التي يتم التعبير عنها سينمائيا، وهو الصراع الداخلي، ومخاطرة هذا النوع تكمن في الرهان على الاستحواذ على اهتمام المشاهد، وإمكانية تماهيه مع الابطال في حال إيجاد خيط مشترك للمعاناة بينهما، والتطهر من هذه المعاناة ومن هنا يتبادر السؤال عن ماهية الصراع وملامحه؟ عند نقل القصة القصيرة لهاروكي موراكامي لفيلم مدته تقرب من الثلاث ساعات، لنقل فترات زمنية متباعدة من حياة البطل، اكتفا المؤلفان بعرض النتائج وحجب الاسباب عن المشاهد، لان عند الوصول والوقوف على هذه الاسباب سنصل الي حل صراع البطل، وسنصل الي درجة التوحد والتماهي الكامل معه تقسيمة الفيلم كانت في الاربعين دقيقة الاولى، وقبل انتقال البطل الي مدينة هيروشيما تم تأسيس الشخصيات، ونعلم ان هذا الرجل تخونه زوجته، ولا يبادر بأي فعل يصاب بمرض في عينيه ولم يعلم عنه شيء إلا بعد وقوع حادث تموت زوجته وتستمر الحياة، او على الاقل هكذا تبدو لنا لذا تم تأسيس حقيقة المشكلة التي يواجهها وهي عجزه التام عن التواصل ولكن يظل مبهم لدينا التواصل هنا له ثلاثة انواع : التواصل غير اللفظي وهو ملاحظة الشخص للاخر وتصرفاته للوصول الي المعنى وفي الاربعين دقيقة الاولى، نرى هذا النوع من التواصل قد اتخذ شكل التواصل الجسدي الحوار بين الشخصيتين ينتج عن التواصل الجنسي، وليس عن حياتيهما، ولكن عن قصة تؤلفها الزوجة تسردها بعد الممارسة وتكمن اهمية هذه القصة الفرعية التي تجذبنا احداثها التي ترويها الزوجة وتتركنا نتساؤل عن مصير ابطالها، تصب في الحكاية الرئيسية لبطل الفيلم، رغبة بطلة هذه القصة في كتمان مشاعرها، بدلا من مصارحة حبيبها الذي لا يعرف بامرها، والتواصل معه عن طريق ترك تذكارات منها في بيته كما نرى هذا التواصل من خلال لمسة يد الزوجة التي تقابل ببرود من تجاه البطل واخفاء عينيه في اللحظات الحميمية بينهما، بعد اكتشافه لخيانتها كل هذه انواع لتواصل غير لفظي مبتور، يتركنا نتساؤل ما مشكلة هذا الرجل تحديداً النوع الثاني من التواصل وهو التواصل الكتابي بينه وبين الزوجة، كنت تسرد عليه الحكاية، وهو بدوره يقصها عليها في اليوم التالي وهي تكتبها النوع الثالث وهو سبب الصراع والحل في نفس الوقت وهو التواصل اللفظي، الحوار هذا النوع كان مكمن المشكلة، لهذا جاء الحوار في الاربعين دقيقة غير كامل، البطل يبدأ بجملة ولا ينهي مقصده من وراءها، لذا بدأ البطل ونحن معه باستكشاف علته طبقة تلو الاخرى في رحلته الي مدينة هيروشيما وهنا استعاضا مؤلفا الفيلم عن الحوار الذي يجيش بنفس الشخصية، بحوار الخال فانيا في المسرحية التي يعمل عليها البطل، وهذه تقنية غير مألوفة، وحل هذا الحوار المسجل محل النص التحتي في الفيلم، هنا الشخصية تعاني من عدم القدرة على التواصل، والاكتفاء بالتوازن المزيف في الحياة خوفا من المواجهة، استطاع النص المسرحي لشخصية الخال فانيا نقل ما يجول بخاطر البطل من خيبات امال، وذنوب يحملها على كاهله للمتفرج والخال فانيا في مسرحية تشيخوف، كان يعاني من خيبة اماله وطموحاته بعدما افنى حياتها في رعاية اموال اخته، وزوجها، حتى بعد وفاتها وتوليه رعاية ابنتها، وزواج زوج الاخت من انسانه وقع في حبها لحظه التعس، وفجأة عندما قرر زوج الاخت ان يبيع المزرعة، واجه فانيا خيبته، وعمره الذي ضاع لإنه لم يواجه ولم يتحدث إلا بعد فوات الاوان كل شخصية في الفيلم فيها من ملامح خيبات الخال فانيا، ولكن كل شخصية تتعامل معها بطريقة مختلفة الزوجة تعاملت مع صدمة موت ابنتها، والصمت الزوجي بينها وبين البطل بالتواصل الجسدي، ووجدت فيه عزاء خصوصا بعد ان كان الالهام يحضرها بعد العلاقة الحميمية سائقة السيارة والعلاقة السامة بينها وبين والدتها، تعاملت معها بإتقان القيادة اما الام فتعاملت مع المعاملة السيئة التي تعاملها لابنتها بانفصام في الشخصية، وتحولها لشخصية اخرى تتواصل عن طريقها مع الابنة التي تعجز عن التواصل معها في حالتها العادية اما الممثلة البكماء، والتي كانت مفتاح الفيلم بالنسبة لي هذه الشخصية تعاملت مع خيبات فانيا في حياتها بعد ان تعرضت للإجهاض،و علمت من زوجها بتعاونه مع البطل على المسرحية بالرغبة في التمثيل، ارادت ان تعالج ما مرت به من خلال نص المسرحية، وتأدية دور سونيا ابنة اخت فانيا، التي كان حظها العاثر لقلة جمالها، ووقوعها في غرام رجل يعشق اخرى ورغم ذلك كانت الوحيدة القادرة على التواصل مع فانيا، مثلما كانت هذه الممثلة البكماء، عدم قدرتها على الكلام تعادل عجز البطل عن التواصل، ولكنها كانت تلجأ للانواع الاخرى من التواصل لكي تفهم وتدرك ما يحيط بها ولان المسرح قائم على الحوار المنطوق، فتم الاستعاضة بحوارهاعن طريق التواصل الكتابي للمتفرجين لكي يفهمومها ويتواصلوا معها الممثل الشاب، المتهور في علاقاته مع النساء، وموضع شك البطل انه من كان تخونه زوحته معه، كان قادر على التواصل الجسدي مع الممثلة الاجنبية التي لا تتحدث ولا تفهم لغته ولا هو ايضا، وكان الجسد بينهم هو اللغة كما كانت نصوص الزوجة المتوفية تعطي لحياته المعنى ولكنه عجز امام نص تشيخوف، كما يعجز هو عن التعامل بروية وحكمة مع مشكلاته ويتجلى عجز البطل في عدم قدرته على التواصل من بداية الفيلم، اشباه الجمل التي يؤديها البطل تحمل ما نشعر بانه يود قوله ولكن تأتي جمله مبتورة تهربه من الحوار مع زوجته قبيل وفاتها عجزه في التواصل مع النص، واتخذاه من الاخراج بديلا عن التمثيل، هروبا من حالة التوحد مع النص الذي يتسلل الي الوجدان ويغير ابطاله كما يصف حوار تشيخوف كما نرى عجزه عن التواصل مع الممثلين في تدريباته المسرحية كل هذا حفاظا على حالة توازنه الزائف لهذا كان مشهد العشاء مع الممثلة البكماء وزوجها ودعوة البطل وسائقته مشهد مفصلي في الفيلم بدأت شخصية البطل في التغير عندما بدأ يثق في الاخر المتمثل في شخصية سائقة سيارته شخصية السائقة التي تعاني ايضا من عدم القدرة على التواصل، تبدأ الجملة بشكراً ، وعندما يتساءل البطل عن ماذا يكون ردها لا شيء وجاء السؤال الذي وجهه البطل للمؤلف المساعد، ما الذي جعلك تتعلم لغة الاشارة وكانت الاجابة، لانني اردت ان اتواصل معها فتعلمت لغتها إجابة عن علة البطل وفي هذا المشهد ولاول مرة اعترف البطل بمهارة السائقة، ولهذا كان عنوان الفيلم في غاية الذكاء والاهمية قودي سيارتي جملة قائمة على التحاور والتراضي بين الشخصيات وبإجابته عن مدى رضاه عن عمل سائقته بدأ الجليد الذي يغلف قلبه بالتشقق والانكسار رويدا رويدا ومعه بدأ الغموض الذي يحيط بصمت السائقة ينكشف ايضاً ونرى التغير في محاولة تواصله مع ابطال المسرحية، والاستعانة بالقواميس في ترجمة العمل لاختلاف الجنسيات التي يعمل معها في المسرحية الحوارات التي دارات بينه وبين الممثل الشاب، وادراكه امورا لم يكن يعرفها عن زوجته وسرد تفاصيل عن حياته لم نكن نعرفها حديثه مع السائقة، ومعرفة تفاصيل عن حياتها المخرج عبر عن هذه المرحلة من التغير من خلال تغير اماكن الممثل بداخل السيارة، طوال الجزء الاول كان هو من يتولى القيادة او زوجته، وفي رحلة هيروشيما اصبحت السائقة تتولى القيادة، وهو في الجزء الخلفي، وبينهما فاصل ، سواء في اطار منفصل او مع وجود فاصل مرئي متمثل في هيكل او اجزاء السيارة الداخلية وعند المواجهة الاخيرة بين الممثل الشاب وبين البطل، واستكمال الممثل الشاب للحكاية التي كانت تسردها الزوجة وهو ينظر مباشرة تجاه الكاميرا، كما لو كان يكشف مخاوف وضعف البطل لنا وله وعند انتهاء الحوار وبجلوس البطل في الكرسي الامامي بجانب السائقة، تم كسر الحاجز بينهم في الحوار، والحاجز الجسدي نحن نعلم كمشاهدين انه في طريقه للتعافي، ولكن كمرة اخيرة عليه ان ينصت ويتحاور مع السائقة التي كانت بمثابة ضمير تقبل خيبات الامل وتعلم ضرورة المضي قدما في الحياة والحوار الذي القاه وهي في احضانه ويواسيها عند اطلال منزلها القديم، لم يكن حواره ولكن كان حوار سونيا الموجه للخال فانيا في نهاية المسرحية وفيه تحثه على تقبل الامر الواقع والمضي قدما في الحياة وعليه تقبل البطل ان يلعب دور الخال فانيا، وان يلقي الحوار وان يستمع اليه ، وان يتنازل عن سيارته العزيزة الي قلبه وان يمضي في الحياة، كما مضت السائقة نحو الافق في حياتها ولهذا كانت رمزية مدينة هيروشيما مهمة جدا في الفيلم ان يكون القسم الاكبر من رحلة البطل فيها، هذا المدينة التي حاورت الموت وتجاوزته ومضت قدماً في الحياة هذا نص سينمائي صعب جدا وبالغ الصعوبة لتعدد مستويات الحكي، القصة الرئيسية للفيلم، وقصة مسرحية الخال فانيا، والقصة التي تسردها الزوجة، جميعهم لهم خيط مشترك، غياب المواجهة، والاستعانة بتواصل زائف، والخوف من التغيير حتى وقوع الكارثة سواء موت الابنة ثم الزوجة في الحكاية الرئيسية للفيلم، بيع المزرعة في مسرحية فانيا، مقتل الدخيل في القصة التي تسردها الزوجة كل هذا كان في طي الكتمان للتجاهل المتعمد من الشخصيات مما فاقم من مازقهم لان الصمت يقتل الجيد في الاخر، ويحيي الظنون السيئة وبين انقطاع الخيط في مسرحية انتظار غودو التي كان يؤديها البطل في اول الفيلم وانتظاره لمجيئ غودو في يوم اخر ،ربما يأتي معه الامل وشعلة المصباح التي لم تنطفأ بعد الحوار الاخير الذي تواصلت به الممثلة البكماء واسودت خشبة المشرح الا ضوء تلك الشعلة التي استمرت وسط الظلام لتعلن انتصار الامل وتقبل المعاناة ومحاولة تخطيها وجد البطل اخيرا خلاصه في التقبل، وتركني كمشاهدة اواجه شبح الصمت الذي اعتنقته من سنين طويلة وفشل الفيلم في تطهيري من معاناة البطل